الحمد لله
أولا :
لا شك أن هذا الإسلام الذي ندين به ، هو دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد بُعث به إلينا ، وبلغه لنا ، كما أمره ربه سبحانه ، لكن ينبغي أن يُعلم أن الإسلام خاص وعام :
فالإسلام الخاص المشتمل على هذه الشريعة التي نعلمها ، وفيها الصلوات الخمس ، والزكاة ، وصوم رمضان ، والحج على الصفة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيها أحكام المعاملات والجنايات وغير ذلك ، هذا الإسلام الخاص هو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما الإسلام العام الذي يقوم على توحيد الله تعالى ، واتباع رسوله المرسل من عنده ، فهو دين جميع الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم ، كما قال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) آل عمران/19 ، وقال : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85
وقال عن نوح عليه السلام : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يونس/72.
وقال عن إبراهيم : ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) آل عمران/67.
وقال : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) الحج/78
وقال عن موسى ( يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ) يونس/84.
وقال عن يوسف : ( تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) يوسف/101.
فالإسلام هو عبادة الله وحده لا شريك له ، والإيمان بما جاء من عنده ، وهذا قدر مشترك متفق عليه بين جميع الأنبياء ، ثم يقع التمييز بينهم في تفاصيل الشرائع ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) رواه البخاري ( 3443).
والإخوة لعلات : هو الإخوة لأب .
والمراد أن أصل دينهم واحد ، وإن اختلفت فروعهم .
ولهذا يخشى من قولنا عن الإسلام : إنه دين محمد صلى الله عليه وسلم أن يظن السامع وغيره أن دين الأنبياء الآخرين ليس هو الإسلام .
ولهذا كان الاسم العلم على هذا الدين هو " الإسلام " ، وأصحابه هم " المسلمون " ؛ قال الله تعالى : ( هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا ) الحج : 78
قال الشيخ السعدي رحمه الله : " أي : في الكتب السابقة، مذكورون ومشهورون ، وَفِي هَذَا الكتاب ، وهذا الشرع ؛ أي : ما زال هذا الاسم لكم قديما وحديثا " . تفسير السعدي (546) باختصار يسير .
ولم يزل أتباع هذه الملة يسمون به ، قال تعالى : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) الأحزاب/35 ، وقال : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت/33
وروى الترمذي (2863) عن الْحَارِثَ الْأَشْعَرِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (... فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى مسلم (1336) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ مَنْ الْقَوْمُ ؟ قَالُوا الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ ).
فهذا هو اسمنا وشعارنا ، وهذا ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، فليسعنا ما وسعهم .
ثانياً :
وأما في مقام بيان إمام هذه الأمة ، وأن متبوعهم الذي يأخذون عنه هو النبي محمد بن عبد الله ، صلى الله عليه وسلم ، فلا بأس بالنسبة إليه هنا ؛ وقد تواتر في الحديث تسمية المسلمين : " أمة محمد " ؛ بل استعمل غير واحد من أهل العلم كلمة " المحمديون " في التعبير عن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، إما خاصة أتباعه الذين هم أهل سنته ، أو في التعبير عن أمته صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كلامه عن أهل الحيل الشيطانية والدجل : " وإذا اجتمعوا مع من له حال رحماني بطلت أحوالهم وهربت شياطينهم ، وإنما يظهرون عند الكفار والجهال ، كما يظهر أهل الإشارات عند التتر والأعراب والفلاحين ونحوهم من الجهال الذين لا يعرفون الكتاب والسنة ، وأما إذا ظهر المحمديون أهل الكتاب والسنة فإن حال هؤلاء يبطل " مجموع الفتاوى (27/500) .
وقال الذهبي رحمه الله : " الطريقة المثلى هي المحمدية " السير (12/89) ، وانظر : معجم المناهي اللفظية ، للشيخ بكر أبو زيد حفظه الله ، ص (497، 610) .
مع أننا ننبه هنا إلى أن بعض أعداء الإسلام يلقبون المسلمين بذلك تشبيها للهم بالنصارى
" المسيحيون " ، الذين ينسبون إلى المسيح ويعبدونه من دون الله ، فلذلك كان الأسلم أن يستعمل الاسم الذي هو علم على هذا الدين وأتباعه ، وسماهم الله به : " المسلمون " ، وإذا استعمل غير المسلمين هذا ، أو استعمله المسلم أمام غير المسلمين ، بين لهم مدلول هذه النسبة عندنا ، واختلافها عن مدلول الانتساب عند غير الأمة المرحومة .
والله أعلم .